لماذا الأحداث المزعجة ضرورية قبل الصحوة الروحية؟ وكيف توقفها؟
مفهوم المحفّز (the catalyst):
من النادر جدا أن تكون الصحوة الروحية عملية هادئة وسلسة، وخاصة في بدايتها. غالبًا ما تتطلب سلسلة من الأحداث المزعجة والمؤلمة، تدفع بالصحوة الروحية لكي تأتي بثمارها.
المحفّزات أو الأحداث التحفيزية، هي الأحداث التي تحفّزنا على الاستيقاظ وغالبًا ما تكون مغيّرة لمسار حياتنا. وتكون عادةً أحداث مزعجة ومرعبة، وحتى قاسية بعض الشيء. نواجهها في المراحل الأولى من الصحوة الروحية بغرض إيقاظنا من سباتنا العميق، وإخراجنا من منطقة الراحة، ومن قوقعة الحماية المزيفة.
هي بمثابة قرصة الأذن التي تحفّزنا على تغيير أي شيء غير صحّي يسمّم حياتنا، ويعيق تطورنا الروحي، ويحجز وعينا داخل قفص مظلم. وتجبرنا على إعادة النظر إلى طريقة عيشنا، ومنظومتنا الفكرية والعقائدية: كل من معتقداتنا وأفكارنا، وعقائدنا الدينية، وعلاقاتنا مع أنفسنا ومع الآخرين، وعاداتنا وتقاليدنا، وكل ما يسلب منا أصالتنا ويبعدنا عن حقيقتنا الأصلية.
المحفّزات هي بمثابة جرس التنبيه الذي يدعونا إلى الاستيقاظ من السبات، والنظر إلى هذه الأشياء التي كنا نتجاهلها. وإلى تطهير أي شيء تتضايق منه روحك وترغب في التحرّر منه، بالرغم من أن الإيغو قد تعوّد عليه. لأن الإيغو في طبيعته يبحث عن الحماية من وهم الانفصال ويفضّل دائما الإختباء في منطقة الراحة.
هذه الأحداث المزعجة تزداد شدّتها وقساوتها كلما قاومت التغيير، ورفضت الإصغاء لرسائلها، وتهرّبت من مواجهة مخاوفك الباطنية. لذلك، فهي تشتدّ أكثر عند الأشخاص الذين يتمسّكون بالوهم وينكرون مخاوفهم ويكذبون على أنفسهم ويرفضون مواجهة الحقيقة.
الشخص الذي يدّعي أنه سعيد ويكذب على نفسه، ويحاول أن يقنع نفسه بأن كل شيء جميل في حياته، بينما في الحقيقة حياته تعيسة ومزيّفة، سيجبره الكون على مواجهة الواقع وتقبّله وعدم إنكاره، حتى يتمكّن من القيام بالتغيير. لا يمكنك القيام بالتغيير وأنت ترفض تشخيص المرض ولا تعترف بوجوده.
مثلا: إذا كنت تعيش حياة زوجية تعيسة أو سامة، وكنت تنكر ذلك وتحاول الهروب من واقعك لأنك خائف من التغيير، ربما بسبب معتقدات خاطئة ورثتها من المجتمع، فقد تحدث لك أحداث تحفّزك على الطلاق. في البداية تضن أن حياتك قد تحطّمت وأن كل شيء قد انهار في حياتك، لكن بعد فترة ستعرف أن كل ما حصل كان نعمة وليس نقمة، ستشعر بالإمتنان لهذه المحفّزات، لأن بفضلها قد تحرّرت أخيرا من القفص الذي كنت خائف من الخروج منه.
بالرغم من أن هذه الأحداث ضرورية في بداية الاستيقاظ، إلا أن استمرارها غير ضروري. كما يقول المعلم إيكهارت تولي: “المعاناة ضرورية إلى أن تدرك أنها غير ضرورية.”
7 مفاتيح لإيقاف سلسلة الأحداث المزعجة أو على الأقل التخفيف من شدتها :
-
الإستجابة لنداء التغيير وعدم التسامح مع حياة لا تريدها:
الإصغاء إلى صوت الروح والتوقّف عن مقاومة نداء التغيير، وعدم التعلّق بالماضي أو بالأشياء الخارجية، أو الأهداف، أو الأطماع، أو العلاقات، أو المشاريع، أو أي شيء تحاول أن تختبأ خلفه وتستخدمه كقناع حماية مزيّف. التسليم الحقيقي يعني استسلام الإيغو، ولا يعني الخنوع والرضى بحياة رديئة. لأن الرضى في هذه الحالة هو مقاومة وتعنّت، وعكس التسليم الحقيقي الذي يؤدي إلى الحرية والسلام الداخلي.
-
الإعتبار من المحفّزات الصغرى قبل الكبرى:
دائما المحفّزات تبدأ بإشارات صغيرة وخفيفة، وعندما يتم تجاهلها وعدم الاستجابة لرسائلها، تبدأ تشتدّ أكثر فأكثر. لذلك عليك بالإنتباه إلى الاستفزازات العاطفية (triggers) التي تولّد عواطف مؤلمة بداخلك. إسأل نفسك عن الرسائل التي تحملها: “ما الذي يجب أن أغيّره”، انتبه دائما إلى مشاعرك وكن صريح مع نفسك، لأن الله يخاطبك دائما عن طريق المشاعر.
-
التحلّي بالشجاعة والاستعداد لمواجهة مخاوفك مهما كانت كبيرة:
هذه المخاوف كانت موجودة دائما بباطنك، وهذه الأحداث قامت فقط بإثارتها، فصعدت إلى السطح من أجل النظر إليها، والإعتراف بوجودها. واجهها ولا تتهرّب منها. الإنكار والتهرّب من مواجهة المخاوف الباطنية، يؤدّي فقط إلى تضاعف المحفّزات واشتداد قساوتها.
-
التحلّي بالإيمان القوي بأنك تحت العناية الإلهية:
كن على ثقة تامة بأن أي شيء يحصل لن يكون إلا في مصلحتك العليا. تحلّى بالثقة التامة في الخالق وفي ذاتك العليا وتذكّر أن الله لا يريد لك إلا مصلحتك العليا. طريق الصحوة هو طريق مدبّر إلهيا، وهو طريق آمن، فاختر الحب والإيمان على الخوف والقلق والصراع النفسي.
-
إلعب دور المتفرّج ولا تأخذها بجدية:
تجنّب لعب دور الضحية والدراما، وتجنّب الخوض في القصص الدنيوية، لا تعطيها أي أهمية ولا تأخذها بجدية، هذا لا يعني أنك تتهرّب من الدروس والرسائل التي تحملها، بالعكس، أنظر دائما إليها من منظور علوي حتى تفهم الحكمة منها. راقبها وكأنك تشاهد فيلم على التلفزيون، لا تأخذها على محمل الجد. تذكر أننا هنا نلعب لعبة روحية هدفها الإرتقاء والتطور الروحي.
-
ركّز على الدروس:
لا تركّز على الأحداث بل ركّز على الرسائل التي تحملها الأحداث. ماذا تريد أن تعلّمك هذه الأحداث؟ اسأل نفسك دائما: ما هي الأشياء أو العادات أو السلوكيات أو المعتقدات التي يجب أن أتخلّى عنها؟
أهم الدروس التي نواجهها خلال الصحوة هي حب الذات، واتباع الأصالة، وعدم التعلّق بالأشياء الخارجية، والتوقّف عن مطاردة السعادة في العالم الخارجي…
مباشرة بعد تجربة معينة، اطرح سؤال: “ما الذي يريدني الكون أن أتعلّمه؟” بدلا من الضياع في القصص الدنيوية التافهة، ابحث عن استيعاب الحكمة العليا من هذه التجربة.
وراء كل حدث مزعج رسالة إلهية تدعونا للتركيز عليها، بدلًا من التركيز على التفاصيل المادية الوهمية. ليس ضروري أن تفهم الرسالة مباشرة، التسرّع في محاولة فهم كل شيء غالبًا ما يقودنا إلى نتائج خاطئة. تحلّى فقط بالصبر والهدوء، وكن واثقا من أنك ستفهم كل شيء في الوقت المناسب. -
القيام بالعمل الباطني:
تلبية نداء الاستيقاظ والاستجابة لهذه الرسائل عن طريق العمل الباطني، والتحرّر من كل المعتقدات الخاطئة القديمة والتشوهات الباطنية. من باب حب الذات اختر مصلحتك العليا فوق أي مصلحة زائفة. اختر التطور الروحي وقم بالعمل الباطني وفضّل شفاءك الذاتي على أي مصلحة دنيوية ضيّقة. لأن هذا ما تريده روحك حقًّا، كل ما ترغبه في باطنك هو الحرية الداخلية والشفاء الذاتي والسلام الداخلي. أما التعلّقات الخارجية ما هي إلا متنفّس أو تعويض عن معاناتك الباطنية.
Related Posts

علامات الصحوة الروحية (18) وتشافيك من وهم الإنفصال

الذات العليا: كيف تستمع إلى مرشدك الداخلي؟

دليلك الكامل للصحوة الروحية
عن الكاتبة
Ahlem
أكاديمية نيوبرادايم هي ثمرة مسار طويل سلكته المعلمة أحلام في رحلتها الخاصة نحو الصحوة الروحية. واليوم، تكرّس حياتها لمساندة من يسلكون نفس الطريق، حيث تشاركهم فقط ما هو مُجرّب، فعّال ومباشر، بعيدًا عن كل ما هو مُشتّت أو مُضيّع للوقت. انضم إلى الأكاديمية واستفد مجانًا من محتوى حصري وثمين.✨
Commentشرح مفصل جيد شكرا
هل من الممكن ان يكون احد الاسباب المهمه في الصحوه هو عدم الالتزام بما هو موجود وبالتالي من الذي يضمن عنصر الالتزام بعد التغيير حتى ولو كان مبني على ما يحب وبعيد عن الايجو؟